وأخيرا صار البعض عربيا،في السياسة والإنتماء،من خلال المطالبة بإشراك الجامعة العربية في الحوار الوطني اللبناني،مع إنتفاء الأسباب والسوابق،فالحوار الوطني بدأ واستمر دون الجامعة العربية (المشلولة)حيث أن الإستعانة بها،مثل مداواة مريض السرطان،بالأعشاب،فهي في أحسن حالاتها لا تنفع ولا تضر،وفي بعض الأحيان قد تسبب الضرر الذي لا يستطيع إحداثه الأعداء ولعل ما يثير الريبة والدهشة،هو ما ظهر على فلتات لسان الأمانة العامة لـ14 أذار،حيث أعلنت أن (هدفها من الحوار هو إظهار عزلة سلاح المقاومة،وأن أغلبية اللبنانيين ضد هذا السلاح)وليس الهدف بناء إستراتيجية دفاعية عن لبنان،بل إستراتيجية دفاعية عن المشروع الأميركي-الإسرائيلي-العربي المتخاذل،وإستدراج المقاومة لأن تقبل بنزع مشروعيتها بشهاد عربية (غب الطلب)كما حصل في إجتماع وزراء الخارجية العرب المخصص للضفة،حيث تم الطلب إلى العرب المطيعين بأن يناقشوا من خارج جدول الأعمال قرارا يمثل الطلقة الأولى في الرد الأميركي على قمة دمشق المقاومة،بأن أعطوا الكيان الإسرائيلي جرعة من الأوكسيجين السياسي عبر فتح المفاوضات غير المباشرة،لإراحته على الجبهة الفلسطينية،ليتفرغ للجبهة المتمثلة بإيران وسوريا ولبنان وشكرا له على مصادرة الحرم الإبراهيمي في الخليل،وزاد شكره ودعمه للعرب(الشاطرين)،بأن أقتحم المسجد الأقصى،كمناورة أولى لإقتحامه مجددا وضمه إلى التراث اليهودي في فلسطين المحتلة.
وإذا قبلت الجامعة العربية ضم المقدسات،وحصار المقاومة في غزة،فمن يضمن بأن لا تقبل التنازل عن شبعا وكفرشوبا والغجر،ومن يضمن بأن لا تضغط على لبنان لكي يسقي(الصهاينة المساكين)،الماء،طالما أن الليطاني يذهب هدرا في البحر!!.
ومن يطالب بإشراك الجامعة العربية في الحوار الوطني، يعلن قبوله بأن يكون لبنان جزء من الصراع العربي الإسرائيلي ،وبالتالي سقوط شعار حياد لبنان الذي يرفعه السياديون الآذاريون ومما يؤكد صوابية منطق التيار المقاوم،بأن التهديد الإسرائيلي قائم طالما أن القضية الفلسطينية لم تنته،وكذلك الجولان السوري أن الخطر الإسرائيلي قائما ،طالما أن السلام العادل والشامل لم ينشر أمنه وعدالته على المنطقة.
المشكلة أن بعض القوى والشخصيات السياسية،التي تعمل بصفة(مياوم سياسي)لدى السفارة الأميركية،تتلقى تعليماتها على طريقة(السندويش)والوجبات السريعة،وتخرج لتقول أهدافها بسرعة،وتسعى لإحراق المراحل لتحقيق أهدافها،ولكن الرياح المقاومة تجري بما لا تشتهي سفن الآذاريين العاملين لدى المشروع الأميركي لولادة الشرق الأوسط الجديد،ولذا فهم يستعينون بأصدقائهم في الجامعة العربية،ليكونوا شهودا على تبرؤ بعض اللبنانيين من المقاومة،كما تشهد الجامعة على تبرؤ السلطة الفلسطينية المهيئة ولايتها(سلطة محمود عباس)من المقاومة الفلسطينية وحصارها والتآمر ضدها،والتفاوض مع أعدائها،والمفارقة هنا أن الجامعة العربية الممثلة للعرب(الديمقراطيين)وقفت ضد التمديد للرئيس لحود الذي مدد له مجلس النواب اللبناني الشرعي،فيما مددت الجامعة العربية عبر وزراء الخارجية لمحمود عباس في رئاسته الفلسطينية دون مستند قانوني أو صلاحية قانونية لأن السيد الأميركي-الإسرائيلي طلب ذلك،لمواجهة قوى المقاومة الفلسطينية.
والسؤال الأساس هل أن استدعاء الجامعة العربية،مقدمة لإستدعاء التدخل الدولي،لعل ناظر القرار 1559 لارسن يكون شريكا في الحوار الوطني،لإعادة الإعتبار إليه وتوفير فرصة جديدة،لإطلاق النار على المقاومة وسوريا من جديد،خدمة للعدو الإسرائيلي ،بعدما شعر الآذارييون والقواتيون بأنهم( يتامى) ثورة الأرز،بعدما فرضت المصالحة السعودية السورية،تبدل المحاور والإصطفافات في لبنان،وبعدما خسرت القوات وأعوانها(قميص الشهيد الحريري) الذي بنوا عليه تجارتهم السياسية،ومشاريعهم المشبوهة،وبعدما تصالح الرئيس الحريري مع الرئيس الأسد وبعد خروج النائب وليد جنبلاط للعمود الفقري لـ 14 آذار،مما عرض هذه الخيمة التي نصبت على عجل للإنهيار أو إقتلاعها بالرياح الوطنية المقاومة.
والمستغرب بأن قوى المقاومة في لبنان،تعيش حالة خجل وصمت مذهل بالدفاع عن مشروعية سلاحها وموقفها الوطني،وتبقي نفسها في دائرة الدفاع عن النفس،ويصبح الخائن لوطنه والمتعامل مع إسرائيل والقاتل الذي إستفاد من العفو عن جرائمه،و ظن أنه بريء ممادفعه إلى إتهام الآخرين،وحشد الشخصيات و اجهزة الإعلام والجمعيات الوهمية لحصار المقاومة الوطنية،وكشف ظهرها،مما يسهل على الإسرائيليين والأميركيين،ضربها والإستفراد بها للقضاء عليها،وإستباحة لبنان من جديد كما حصل في العام 1982 ليعود لهذه القوى المتعاملة دورها الذي فقدته مقابل تعاونها مع الإحتلال في مجزرة صبرا وشاتيلا وأحداث الجبل وغيرها.
إن قوى المقاومة مطالبة،بالتصدي على جميع المستويات،لهذه الأبواق التي تحاضر بالسيادة والإستقلال،وهي لا تتراجع عن إستدعاء الأعداء إلى وطننا ،فتارة تستدعي الإسرائيلي وتارة المستعمر الأميركي،وتارة المتعددة الجنسيات،وتارة العربي المتحالف مع المشروع الأميركي،وتشرع أبواب الوطن لكل طامع،وتحاضر بالعفة السيادية والإستقلالية ولا تخجل.
إن السكوت عن الوقاحة التي يتمادى بها بعض القوى السياسية تعرض المقاومة للإهتزاز في جبهتها الداخلية،وتزيد من فرص هزيمتها التي يسعى بعض اللبنانيين لها، لعلهم يستعيدون دورهم على أنقاض متاريس المقاومة.
التعريب ثم التدويل ثم الإجتياح الإسرائيلي مع المتعدد الجنسيات، هو ما يرغب ويسعى إليه البعض على طاولة الحوار الوطني،فإذا تم التساهل معه، وعدم ردع هذه الطروحات،فإن التصدي له سيكون أكثر صعوبة في المستقبل،ولتبادر قوى المقاومة على إختلاف إنتماءاتها إلى تنظيم حملة مضادة،في الجامعات والإعلام،والمظاهرات لكشف عورة هؤلاء ،ولحفظ المقاومة من عملاء الداخل المستترين والمكشوفين،والعمالة لا تقتصر دوما على صورة أو خبر بل تتعداها لنشر ثقافة العمالة والتبعية وهي التي توفر البنية الحاضنة والمشجعة للعملاء.
أول الثغرات والخلل في الحوار الوطني،بأنه يضم في صفوفه من تآمر على لبنان وتعامل مع إسرائيل،وفجر الحرب الأهلية ليكون شريكا في الإستراتيجية الدفاعية،التي يجب أن تبدأ بإعدام العملاء لتحصين الساحة الداخلية دون مجاملة أو خوف من العواقب فلا يمكن أن تقاوم وتصمد على الحدود،وألف خنجر يتهيأ لطعن ظهرك أو إحراق بيتك وقطع طرق الإمداد والمقاومة.
د. نسيب حطيط